الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

شي بيت...أبعد بيت




بيت صغير..
جدا...
حتي وإن كان حجرة واحدة فقط شرط أن تمتليء جدرانها بالنوافذ،في كل جدار نافذة أو إثنتين حسب اتساعه،لا يفصل بينه وبين السماء إلا سقف أبيض كلون جدران البيت وكل مافيه...كي أصحو لأري البياض في سحب يغمرها ضوء الشمس الذي يأتيني من خلال ستائر "دانتيلا" بيضاء تجمل برقتها صباحي.

يأتي ليقطع إستلقائي الكسول علي سريري الحديدي المشغول أبيض اللون جرو صغير ذا عينين عسليتين،يلعق أصابعي في رقة تجبرني علي القيام بإحتضانه وملاطفته،أنهض لأبصر حائطا أمامي يحمل إطارات خشبية مزخرفة يخلو بعضها من الصور والبعض الأخر يضم عقدات حريرة صغيرة ملونة علي شكل"فينوكة" قمت بنفسي بتنسيقها وعقدها كما أهوي...يتوسطها إطار خشبي وحده يحمل صورة لزهرة الفانيليا،أميل لتناول زجاجة المعطرالموضوعة علي منضدة صغيرة بجانبي وأغمر المكان كله برائحة الفانيليا الناعمة.

ألتفت وأجثو علي ركبتي اللتان تحتضنهما الوسادات الكثيرة المختلفة الأحجام التي يزدحم بها السرير إزدحاما محببا...تمتد يداي إلي "شيش" خشبي لنافذة معلق كلوحة علي الجدار فوق سريري،يحمل بين شقوقه المتساوية أوراقا كثيرة ملونة...أخذ منها واحدة دونت عليها ما سأقوم به اليوم،أعبث بأزرار جهاز يشبه السماعة الصغيرة المتصل بها "فلاشة" أصغر لتعطر فيروز بدورها الحجرة وتكمل بصوتها طابعا ملائكيا ينقص حجرتي ذات اللون الأبيض التي يشاركه فيها علي إستحياء اللونين الوردي والسماوي.

أتوجه لإنعاش صباحي بحمام دافئ متفادية القفزات المرحة المتطلبة لكلبي...أضع له أولا طعامه في طبقه الخاص لينشغل عني إلي أن انتهي،أخرج لأجده راقدا في تكاسل علي وسادته الكبيرة الزرقاء.
أنظر إليه مبتسمه قائلة أن موعد افطاري أنا قد حان...فأغرق مستسلمة ومستمتعة بنور الشمس الذي يملأ المطبخ كما أحب...أشعر أن لا شيء يساوي ممارسة الطهي الذي أستمتع به مهتديه بنورها الذي يشاركني طهو الطعام،لكني أكتفي بإعداد كوبا من الشيكولاتة الساخنة وشطيرة جبن لتحتويني جلسة أرضية وردية اللون ذات وسادتين منقوشتين فأجلس لأراجع جدولي اليومي.

بعد أن أنتهي أدقق النظر في عقربي منبهي النحاسي عتيق الشكل...أقوم مسرعة لأتناول قطعا من ملابسي المعلقة علي مشاجب مبطنة وردية يضمها حامل معدني يغنيني عن الدولاب الذي قد تبتلع مساحته حيز لا يستهان به من الحجرة...كما أنه سيحرمني من مشهد ملابسي المنسقة المكوية فاتحة اللون والتي تضفي علي ركنها بهجة ما يكملها طمأنينة الفستان الأبيض ذا التفصيلة المميزة الذي أرتديه في كلما أشعر بأنني أحتاج طمأنينته تلك.
أرتدي ملابسي التي يوحدها بنطالي "الجينز" مع حجابا وأيا ما كان ما أرتديه بينهما لابد أولا أن يكون مريحا...ثم أعدل من وضع نظارتي الطبية أمام المرآة الكبيرة المجاورة للباب وأتناول مفاتيحي الموضوعة علي طبق خشبي صغير يتوج منضدة مستطيلة أسفل المرآة...وأذهب.

....
........

أعود لجنتي الصغيرة هاربة من كل شيء...أعود في توقيت يومي أعتبره شقيقا للفجر الذي أعشقه،أغتسل في سرعة وأذهب لآداء صلاة المغرب التي ما إن انتهي منها أعد لنفسي فنجانا من الشاي الأخضر وأقوم بقراءة وردي اليومي من القرآن الكريم يتبعه صفحات من كتاب لم أكمل قراءته بعد تناولته من مكتبة خشبية بيضاء بعرض الحائط المتبقي الذي نجا من الإطارات الفارغة والرفوف المعلقة علي حوائط أخري و التي تحمل كتبا ً أيضا ومنمنمات وتحف صغيرة أعشقها.
بعد شحذ طاقاتي أذهب لمطبخي الصغير لتحضير مكونات العشاء الذي سأعده وأتناوله مع صديقتاي اللتان ستأتيان بعد قليل...ككل مرة تخطفني نقوش الأطباق المعلقة علي جانب الحائط لهوسي بالزخرفة،أزيح هوسي وكل من طبق ثمار الليمون اليانعة التي لايغنيني عن رؤيتها دوما في مطبخي شيئ...والإناء الزجاجي الصغيرالمملتئ بعيدان القرفة لكني أقوم بفتحه لتهدهدني رائحة القرفة التي أحبها وأعود لغلقه مرة أخري...دائما ما أفعل هذا.

حين أتيت صديقتاي أعددنا الطعام وتناولناه ونحن لا نكف عن الكلام والضحك...تكمل جلستنا إضاءة خافتة للفروع المضيئة المحتوية إطارات النوافذ،وحين انتهينا...تجاورنا واقفين في شرفتي الصغيرة المليئة بأُصُصٌ الريحان والنعناع وزهور الياسمين والقرنفل الأبيض حاملين أكواب المشروبات صامتين ونحن نتطلع للشارع البعيد.

وكأن كلبي بجذبه لطرف بنطال بيجامتي القطنية أفاقنا مجبرين من شرودنا...قررت صديقتَي الذهاب وبعد أن ودعتهما من أمام بابي الملئ بالتوقيعات والرسومات الأنيقة لأصدقائي جميعهم والذي زادته جمالا ذهبت مسرعة للشرفة ولوحت لهما إلي أن غابتا تماما عن نظري.

حين دخلت وتأكدت من غلق ضلفتي الشرفة الزجاجية المعروقتان بالخشب المدهون باللون الذي أحب...الأبيض،إنحنيت لأجذب من تحت سريري سلة أنيقة من الخوص بلونها الطبيعي مبطنة بقماش ذات نقوش رقيقة من بين عدة سلال تماثلها في الحجم،تناولت منها مفكرة ذات غلاف عاجي اللون يزينها شريط حريري أبيض معقود حولها...أفضه لأفضي لصفحاتها بكل ما حدث لي ذلك اليوم.
حبن أنتهي أنتبه إلي أن كلبي ينظر إلي وفي عينيه رجاء ليلي لا ينقطع...فأبتسم وأختطفه من وسادته لينام إلي جواري ككل ليلة.
ياريت...
كان لي مثل هذا البيت.


مع النوت إسمع:
http://www.youtube.com/watch?v=MhlBLGFkC-I&feature=related
أو
http://www.youtube.com/watch?v=yeBOzqVMmPQ&feature=related



* الفكرة مقتبسة من الجميلة "سارة درويش"




*شي بيت علي الفيس بوك
       

هناك تعليقان (2):

مونتي بوكيه ورد يقول...

طالما الفكرة من الجميلة الغاليه ساره درويش اكيد الاحساس رائع و الموسيقي روعه و .. محتاج قعدة صفا لمتابعة روحك هنا

heba3osman يقول...

أهلا بيك يا محمد
مبسوطة بأنك شفت مدونتي
:)